قال لي صديقي في تبرم: لم يعد لديّ مزاج جيد، تمر صور الأحداث أمامي هادئة دون أن تحدث أي أثر في نفسي. لم أعد أحب الأسفار ولا خوض المخاطر.
تخيل، بين الحين والآخر، تنقطع صلتي بأشخاص كنت أعدهم من الأصدقاء الأثيرين، ومع ذلك، لا أبالي بفراقهم أو حتى موتهم.
أكمل بعد صمت ثواني حديث مشاعره: مشاهد الأخبار واشتعال الدنيا صباح مساء، التي كانت تأخذ الحيز الأكبر من وقتي وتفكيري، لم تعد تثير فيّ حماس المتابعة والتعليق. حتى الأماكن التي عشت على أرضها جزءًا من حياتي، كانت تستقبلني ورجاؤها أن تعاودني الابتسامة، لكنني كنت أطأها بتجهم دون اكتراث.
يمكن أن تقول، انتهى بالنسبة لي، زمن المفاجآت والدهشة، بعد أن صارت الحياة في نظري لونين فقط: أبيض وأسود.
قاطعته قائلا: انتبه من فقد الحميمية مع الأشياء والبشر، الوحدة باردة ومظلمة يا صديقي. أجابني سريعا: التعاسة من حولي هي من دفعني لهذا ...
قلت له وأنا أهم بمغادرة سيارته: يبدو أنك نسيت شيئًا مهما؛ صداقتنا وهي أجمل ما في حياتك كما كنت تصفها دوما وتكررها، ستخسرها هي الأخرى، تركني خلفه قبل أن ألقي عليه تحية الوداع وغادر...
بعدها لم يعد يحاول البحث عني، وأنا لم أستطع العثور عليه....
ليته حين غادر إلى غيابه الأخير، أخذ معه الماضي وذكرياته.