ما سأكتبه اليوم هنا يذكرني بقصة قصيرة كان عنوانها "الطفلة العجوز"، جاءت ضمن مجموعتي القصصية الأولى "حفلة الجن"، ومضمونها مما لا يتسع المجال لسرده هنا، لكن لعل العنوان يشيء ولو بمفاتيح تدلل على ما في ثنايا تلك القصة.
.
وما أظنه وأعتقده حقيقة أن داخل كل إنسان منا – سواء كان شابًا يافعًا، أو رجلاً في قمة عنفوان حالاته العمرية، أو حتى أولئك الذين زحفت بهم السنين إلى ما وراء الخمسين .. في داخل كلٍ منهم "طفل صغير"، وذلكم الطفل وفي حالات وأوقات معينة تجده يطل برأسه، ليمارس شيئًا من شقاوته و(مشاغباته).
.
أنت وأنا نعرف الكثيرين ممن إذا رأيناهم في مناسبات عامة أو حتى في جلسات عابرة، نجدهم غايةً في الرزانة والجدية، وفي هيئات من الوقار والهيبة، يتحدث (بحساب) .. ويتكلم (كمن يعد الدراهم) .
.
ويظل بعضنا يعتقد في عقله الجمعي أن أولئك هم كذلك دائمًا، في كل شؤونهم الحياتية والخاصة ... غير أننا لم نفطن لذلكم الطفل الشقي داخل كل واحد من أولئك، والذي لابد أن يطل برأسه بين فينةٍ وأخرى متباعدة، ليقول كلمة، أو يصنع موقفاً (خارج النص).
.
والواقع أن أحدنا لا يمكن أن يكون دائماً ذلكم "الرزين الجاد" طيلة الوقت، وإلا لتحول من إنسان إلى آلة أو جهاز كمبيوتر مثلاً، فهو من خلال مواقف الحياة المختلفة لا بد أن تغلبه (اللحظة المنسية) إذا صح التعبير، فيفعل أو يقول شيئاً لم يكن متوقعاً منه فعله، ولمن هم في سنه، أو مرتبته الاجتماعية.
.
ونقول نعم ... يمكن قبول ذلك
باعتبار الإنسان كتلة مشاعر وأحاسيس وانفعالات، لكن بقدر .. أما إن زادت إطلالات الطفل الشقي، وصارت أكثر من المعقول، فإن ذلك دليل خلل نفسي أو عقلي، وعندها لابد للمرء من مراجعة نفسه، أو حتى طلب التطبيب حول ذلك.
.
أنت وأنا نقبل من أولئك – وهم يقبلون منا، لأننا كما يقول المثل الدارج: (كلنا في الهوى سوا) – أقول نقبل منهم مزحة خفيفة لطيفة، أو مقلباً معقولاً، أو عدة نكات يقدمها (بالملعقة لا بالكريك) ... وسوف نجد لهم العذر طبقاً لما شرحناه آنفاً.
.
أما إن (فاض الكيل) من أولئك، فإننا وإن ضحكنا لهم مجاملة، فإنه يتعين عليهم أن (يفرملوا) بحيث يضع الواحد منهم خطاً معيناً لمشاغبات طفله الشقي ذاك الذي بداخله .. بحيث يكون ثمة سقفًا محددًا لا يتجاوزه إلى ما هو أبعد .. وإلا فإننا سنغير نظرتنا عن الكثيرين منهم، خاصة ممن عرفناهم أو كنا نتوقعهم رزناء عقلاء ذوي هيبة.
.
وســننقلهم بدون (إحم ولا دستور) من مكانهم الجميل في نفوسنا ... إلى (صف الصفيقين).