قرأت ذات مرة أن الكلمات الطيبة المعسولة، سميت بذلك لأنها تخلف في الدماغ ذات الأثر الذي يخلفه تناول السكر أو العسل.
نعلم جميعا أثر الكلمة على النفس، حتى وان قيلت من باب المزاح، ونعلم أيضا ما تسببه الكلمة القاسية من ألم نفسي على متلقيها، وحقيقة أن أثر الكلمتين ينعكس بصورة مباشرة على من قالها نفسيا. جربوا ...
وقد أظهرت بعض الدراسات أن 9% من الأمراض سببها نفسي، وليس جسديًا، كما يعتقد البعض و99% من شفاء أي مريض متوقف على الحالة النفسية له .. فالأذى النفسي أشد إيلامًا من الأذى الجسدي، قد ينسى الشخص ما مرّ به من مواقف وأحداث، ولكن لا ينسى أبدًا ما شعر به حينها من ألم نفسي قد يمتد مع الزمان.
فالكلمات الجارحة سميت جارحة لأنها تسبب جروحاً عميقة وحقيقية في الدماغ، بل تميت عدة خلايا أو تتلف عملها، مسببة نوعاً من العطب في التفكير.
.
الله سبحانه وتعالى يعلم مدى التأثير الإيجابي للكلام الطيب على النفس، وذَكَرَ سبحانه وتعالى ذلك في العديد من الآيات: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ»، «وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ»، «كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ»، ولا نحتاج بعد هذه الآيات الكريمة إلى تفسير، فالكلمة الطيبة تعمل سلسلة انفجارية يشمل أثرها مجتمع كامل، وقد تصبح ثيمة اجتماعية لأولئك القوم فيسعد من يجاورهم أو يحتك بهم.
.
«الكلمة الطيبة صدقة»، هذا هو الثمن، فهي تدخل من باب جبر الخواطر التي قدمها الله على الصدقات: «قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ»، لأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما تحدثه الكلمة الطيبة على النفوس، فقد يظل الإنسان يومًا بأكمله سعيد بكلمة، والعكس صحيح، ربما كلمة أفلتت شاكت مشاعره وقلبت يومه رأسًا على عقب .. كلمة ترفع وأخرى تحبط، كلمة تزهر بالحياة، وأخرى تنهى حياة في لحظة.
يستطيع الإنسان أن يعالج أمراضه الجسدية، وإن اشتد عليه الألم إلا أنه سرعان ما يزول ويختفي ولا يبقى له أثر، فالجرح يلتئم مع الوقت، بعكس الأذى النفسي فهو لا يترك أى أثر ظاهر، بل يترك ألمًا يحفر داخل النفس وينز في كل حين، لا يعانيه إلا صاحبه.
.
حين نقسو على أحبتنا في لحظة غضب جامحة، وندهس مشاعرهم بعنف كلماتنا دون أن نلتف ونصحح الخطأ، ثم يأتي يوما نتساءل فيه عن سبب غباء ابننا فلان وبلاهته؟ وننسى كلماتنا الجارحة التي تساقطت عليه كوابل من أحرقت قلبه الصغير، وشتت ذهنه فهو لا يجرؤ على فعل شيء خوفا من العقاب، الذي يجتر طفولته إلى زاوية الانطواء والكآبة.
وكذا الزوجة أو الزوج ...
ثم نتساءل بكل برود عن شحوب العلاقة وبلادة الوقت.
تجرح الأخت أختها أو الأخ أخته، والزميل زميله، ويسبب له آلاماً نفسية شديدة وخيبة أمل، ثم يتساءل لماذا أنت غاضب مني؟ دون اعتذار يخفف ما حدث من جروح وأحزان.
كن جميلاً وانطق جميلاً أو تجمّل بالسكوت خيراً لك ولمن تحب، ورفقاً بالمشاعر الإنسانية، بعض البشر حباه الله بجمال المنطق وحلو الكلام إن كان أو مداعبا وعندما يغضب يستغفر الله قبل أن ينطق.
.
كان أخي عبد العزيز يرحمه الله، يستهل إي كلام بيني وبينه، سواء عن طريق رسالة أو مشافهة بكلمات لطيفة رقيقة، لها وقع المطر على نفسي، ولا زالت تزهر مثل يا عسل، يا لغالية، ومفردات أخرى ما زلت أتذوق حلاوتها رغم مرارة الفراق، ولعلها سر دمعة مازالت حرارتها تلسع ...
.
"لا يقاس الكلام بثمن مادي، لأنه يتجاوز الاحتياج اللحظي إلى مدى بعيد يؤثر على النفس والروح التي هي أثمن وأغلى من أي مال"
(واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ ... فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ).
1 comment
غير معروف
10/27/2021 at 4:26 م[3] Link to this comment
شئ جميل ورائع من كتبه جميله شكرآ على الكلام طيب كثيرين يفقدون الكلام طيب في هذا زمان حسنتي شكرآ