
عندما كنت أجول في حي البلد بجدة، وتحديدا في مركز الكورنيش، دلفت لأحد محلات بيع الساعات .. وعلى الفور تذكرت أول ساعة لبستها وأنا في ختام المرحلة الابتدائية.
كان السؤال الذي ثار من داخلي، يحمل طيفا من الحنين.
سألت البائع: ألديك ساعة أم صليب … ؟ .. أجاب بالنفي
مررت بالمحل الثاني، ثم الثالث، لأجدها تتكئ داخل “فترينة” أنيقة، وسط مزاحمة من الساعات الحديثة، التي برزت في عالم الساعات عبر عدة عقود زمنبة.
لكن تلك الأثيرة ما زالت حية ترزق، وما فتئت تعلن أنها لم تمت، رغم بعد الشقة بين زماننا، وتلك اللحظة التي ولدت فيها.
كأنها تقول إن زحف السنين، لم يرسم خطوط تجاعيده على محياها
.
.
وهكذا ظلت ساعات وست اند واتش .. المعروفة بـ (ام صليب) السويسرية، الماركة الشهيرة والقديمة منذ عام 1886م تتواجد في الأسوق، وإن بكميات قليلة، وفي نقاط بيع محدودة.
سألت البائع عن ثمنها، فقال: بـ 450 ريالًا، .. التفتت له مستنكرا ومتعجبا ….
– يااااه .. أمعقول أن تكون بهذا الثمن الباهظ؟ ..
– لقد غادرناها وثمنها 70 ريالًا (والمبلغ لا يتوفر حينها لأي أحد) ….
ضحك البائع طويلا، كمن يقول (رحم الله زمان أول) …
.
وعندما كنت في نصف المسافة بين شرائها والزهد فيها، غمز لي صديقي الذي كان رفيق جولتي بإشارة معناها: أن أدعها ….
ولو شجعني لأقدمت.
خرجت من المحل وشيء من حنين الماضي خلفي.
وفي الطريق قال صديقي: (مالك وللساعات التراثية؟).
سكتت على مضض، لكنني ما زالت أتوق لها، وقد أعود في أي لحظة
…
في كل الأحوال …..
فإن ساعات وست اند واتش .. المعروفة بـ (ام صليب) السويسرية، دخلت المملكة منذ وقت مبكر من أيام الملك عبدالعزيز رحمه الله، بحسب فيديو نشرته (دارة الملك عبدالعزيز).
ذلك الطراز من الساعات أصبح الآن يعمل بالبطارية، وهنا الفرق بين هذه وأختها القديمة من ذات الطراز، عندما كان يتم شحنها بمفتاح في جانبها الأمامي، يقال له “زنبرك” يديره صاحبها باتجاه الأمام كمن يلف شيئا، حتى تتوقف حركته.
وحينها يكون قد تم شحن الطاقة للساعة، ثم يتكرر الأمر مرة واحدة كل يوم، وغالبا ما تكون لحظة الشحن وقت صلاة المغرب.
.
والبعض عندما تسأله حينها، يرد عليك ضاحكا: (أنا أعشي الساعة). أي يعطيها طعام العشاء.
وحينها كان التوقيت السائد ما عرف بـ الغروبي … أي أن أذان المغرب يكون عند الساعة الـ 12
كان لها أرقام فسفورية تضئ ليلا خاصة في الظلام، وكان منها ساعات الجيب، وبعضها لها غطاء حديدي لطيف، لحماية زجاجها من الكسر، فيما لو سقطت على الأرض الصلبة.
ساعات أنيقة جميلة ذات تاريخ وعبق، وما زال لها طلابها، وإلا ما كان لها أن تستمر.