قروبات الواتساب .. نعمة من النعم .. وهي في ذات الوقت , بليِّة من البلاوي !
قد يسأل سائل - ومعه الحق .. كيف اجتمع الشيء ونقيضه ؟
نقول - مما عرفنا وسمعنا - أن من جماليات تلك القروبات أنها تنقل لنا أحداثاً وأخباراً طازجة - في زمن قياسي – ما كنا لنصل لها لولا هذا الوسيط العجيب .. فوق أنها صارت جسرا من جسور صلة الرحم .
ويكفي من عجائبها أنك تقرأ , وترى الصور , وأحيانا الفيديوهات لعدة أحداث , ثم بعد يوم أو أيام تجد أنها منشورة في الصحف , كمواد خبرية .. لكن بعد أن تكون قد صارت (بائته ) فلا تلبث - حينها - إلا أن تبتسم بثقة واعتزاز - كمن هو قادم يحمل لواء النصر من معركة – باعتبار أنك سبق وأن ( ارتويت ) من الحدث و (كثّرت بالخير ) !
وصحيح أن قروبات واتسات صار متنفسا , تمارس فيها الشهيق والزفير في أي لحظة , وصار في مقدورك أن تنشر فيها خواطرك ورؤاك , من غير الحاجة إلى التماس الطريق نحو الصحف السيارة , التي قد تقبل بك أحيانا , وقد تعتذر لك غالبا وإن بأدب معناه ( ورينا عرض أكتافك ) .
تلك القروبات كانت ومازالت ساحة للتحاور بين الأعضاء أو عدد منهم , حول مختلف شؤون الحياة - الأني منها أو القديم - بمنهج حوار قد يتسم بالتلاقي , أو التصادم , أو قد يكون بطريقة ( بين بين ) .
لكن .. وهنا نصل الى ( عقدة النجار ) .. فكثيراً ما كانت قروبات الواتساب سبباً في أن تفقد عدداً من أصدقائك , نتيجة الشدّ والجذب في الحوار , الذي قد يتعالى ضجيجه حتى يصل إلى جدار مسدود , وعندها نفاجئ بأن ( أحد العصافير ) قد طار من ( القفص ) غاضباً مزمجرا , لا يلوي على شيء .
لتبدأ بعد ذلك مرحلة اطفاء الحريق , وبوس اللحى و(رمي العُقُل ) , وربما يصل الأمر إلى القيام بعدة جولات مكوكية بين (المتعاركين ) ولا الجولات الشهيرة لسايروس فانس , وزير الخارجية الامريكية عام 1980 ... بقصد اعادة العصفور الشارد , إلى قفص القروب من جديد .
الأكثر ألماً .. أن قروبات الواتساب سبق وأن فرّقت حتى بعض الأقارب - من شديدي القرابة - بسبب خلافات في وجهات النظر خلال حوار من الحوارات .. ما يشير إلى ان ثمة ( أزمة ) لدى عدد ليس قليل من الناس , في فهم ابجديات الحوار الحضاري .
والواقع أن هناك من يفهم الحوار بالمقلوب , ولذلك تجده وهو يطرح رأيه كمن يقاتل في الجبهة , ليس ليقول ما عنده - فهذا حق من حقوقه وفق الضوابط - لكنه يقاتل وبإصرار ليحشو رأس المقابل له برأيه , ويريد منه أن يوافقه الرأي بـ ( الذراع ) .. وإلا فهو ضده , أو قد يكون عدوا له .
أعرف صديقا من الكُتّاب المعروفين , أقسم لي أنه غير مشترك في أي قروب على الاطلاق - ماعدا قروب عائلته .. وفي المقابل شكي لي أخر أنه كان غارقاً حتى أذنيه في 18 قروبا , إلى أن قرر - بجرأة ذات ليلة - أن يفرّ من نصفها , بعد أن وجد أن كل عمله في تلك القروبات هو ( مسح ) محتوياتها الضخمة جداً - قبل أن يأوي إلى فراشه كل ليلة .
ويبقى السؤال المهم , ما الحل ؟ .. أقول - من وجهة نظري - أن الحل أمام هذا الزحف الهائل لقروبات واتساب , واقتحامها القسري لأدمغتنا , أن نزهد في كثيرها ونكتفي بقليلها - القليل فقط - وثقوا أن كل أو معظم ما في فضائها الرحب , سيصل لكم حتماً , لأن الحكاية في معظمها هي ( نسخ ولصق ) .