صباح آخر يسيل على الأرض ..
ينبثق من خاصرة ليلنا الطويل " المشحون بالكآبة " .. نحاول إزاءه الإمساك بـ " شيء جميل " ..
ترتعش أصابعنا .. تتجمد .. ثم نلوذ بصمت غريب ! .
فجأة .. تتداعى الذكريات في جماجمنا .. فالنهارات السابقة مازالت أشباحاً " تتراقص " في دهاليز قلوبنا .
نتلفت حولنا مرة ومرة .. فإذا عصافير الحقل منكفئة ..
ما عادت تترنم بـ " أناشيد الصباح " .
لقد بلغنا - جميعاً - فضاءً رحباً .. مثخناً بوجبات جديدة من فظائع العصر .. من الفرقة .. والتشرذم ..
وركام الأجساد المذبوحة كالخراف !.
***
تصطدم ملامحنا بـ " رزنامة " التقويم.. هاهو يوم آخر يسقط من أعمارنا .. من أيامنا المسافرة نحو " الهاوية " .. أو الصاعدة إلى فوّهات " البراكين " ..
لا فرق ! .
نتسلق شجرة " الصبر " غُصناً غُصناً .. ونصرخ .. ثم نسقط على رجع الصدى القادم من جدران المأساة .
ما زال (مهندسو مذابحنا ) غارقين في نشوة أحلامهم .. تلك الأحلام التي قامت أساساً بمؤازرتنا , عندما أتحنا لها مساحة أكبر من الزمن لتتكاثر , وتتوالد فوق أجسادنا ..
ما زالوا يرسمون وجوهنا .. ويحددون مواقع خطواتنا .
***
وحدنا في هذا العالم نصمت .. ونصرخ .. ثم نصمت ..
وحدنا في هذا العالم نملك ..
ألف عين ..
وألف قلب ..
وألف رأي ..
وحدنا .. ننتظر القطار القادم ..
وعندما يجيء نختلف على لونه .. على شكل مقاعده .. على عدد عرباته .. وبدلاً من أن نفتح أبوابه .. وندلف إلى جوفه
نفتح - جباه بعضنا !.
***
وبالرغم من كل ذلك ..علينا ألا نكف عن الأمل !.
ينبغي أن لا نسافر ألف عالم أخرى في سموات عذابنا .. ويأسنا .. وآلامنا ..
علينا أن نستمرئ طعم الموت .. أن نجعله وجبة يومية تفتح لنا أفقاً آخر للعبور إلى حياة أخرى .. حياة أفضل .
علينا أن ننظر إلى أعدائنا بعين مجردة من ضبابية الوجل .. .. ومن تضخيم الآخر .. ومن التقهقر عن المواجهة .. حينذاك ..
سنراهم في حالة مختلفة ..
سنجدهم في صورة أخرى ..
سنتأكد إنهم أناس عاديين ..
سنجدهم مألوفين أكثر مما نتوقع ..
سنتفاجأ بأنهم قابلون للانكسار
والهزيمة في نهاية المطاف !.
في وسعنا أن نقشع عن صباحاتنا كل الملامح المكفهرّة .. والمشاهد القاتلة .. وأن نحولها إلى مرافئ بهيجة , تعجًّ بسنابل الحياة .. بضحكات الأطفال , بابتسامات الثكالى .
***
يبقى أن نتساءل :
هل لنا بمزيد من الألم - لنحيا ؟ .
هل لنا بمزيد من الصبر لنطوّع هذا ( الزمن / المارد ) ؟ .
وهل لنا بمزيد من الثقة لنرسم مواقع خطواتنا - بأيدينا ؟!.