امتهن الرعي على تلك القراريط الموغلة في البعد المكاني عن كل ماهو حضاري وتقدم. كان الهاجس للمضي قصيا عن هذا الوضع حاضرا على مسرح الفكر الدائم فبرغم كونه راعيا كطقس اجتماعي إلا أنه كان يرتدي في رحلته تلك جلباب الموهوب حد التمرد على الوضع الآني المدعوم بصدق الأفكار التي تنأ به بعيدا عن الرضوخ والاستسلام لأي قيد لاسيما اذا ما توفرت آلة كسره بالإصرار والعزيمة.
كان فوق كل ذلك يملك إيمانا صادقا وهدفا واضحا وهو يسأل نفسه بكل صدق وتجرد مالفرق بين التابع والمتبوع؟
ثم استطرد قائلا أهو لون البشرة أو إنه زرقة العين؟. وأعيته الحكمة ولَم يهتد إلا بدعوة ربه الهداية. ولما أنهكه التفكير لمعت عيناه فرحا وهو يردد نعم هو إنه الفكر الحر هو من يصنع الفارق وهنالك تداعت الأسئلة تباعا
إلى متى نعيش هامشا مهملا ونحن المتن؟
ماهو سر تقدمهم وتأخرنا؟
مالفرق بيننا وبينهم؟
ثم هدي إلى تذكر قوله تعالى:( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)
نهضا منتشيا فقد وضحت الرؤية إن معيار التقدم هو العمل المخلص الجاد. نظر إلى شويهاته نظرة السقيم مرددا بخ بخ متأسفا على وقت مضى لم تكتب فيها صفحة التاريخ ما يشفع لسابقيه بالبقاء الخالد.
أعلن تمرده على وضعه الراهن وشد رحاله نحو المجهول ودع أهله وداع المفارق وأمتطى صهوة الحلم وهو يعتصر ألما على أعين حدقت فيه باكية بدموع صامتة يغالبه هوى مربع الطفولة ولكنه الهدف والتحدي اتحدا فقاداه قسرا لخوض تجربة المستحيل في مجتمع لا يعترف بنواميس القبيلة ولا يقيم للعنصرية وزنا. عندها وجد ان عقد وجله قد انفرط وتساقطت حبيباته سراعا ورأى العالم الجديد فاتحا ذراعيه محتضنا ابن الريف الخام فتوقدت موهبته قنديلا مشعا أنار له عتمة فكره المتوجس خيفة من كل ماهو غير مألوف وسرعان ما تماهى مع أدبيات هذا العالم الجديد واندمج حد الذوبان في مجتمع كان له كابوسا مخيفا.
ونظرًا للنبوغ الفكري المدعوم بصدق المثابرة أصبح هذا النائي منارة يشار إليها بالبنان وتمر الأيام ويتحقق الهدف وينال المراد وتتم مراسيم التكريم وداعا. ويقفل موادع الأمس راجعا ضيفا يحمل منار علم يشع نورا يساهم في نهضة أمة وليس قريته فحسب.
نعم هذا الأنموذج لأبن الوطن المخلص الذي نذر نفسه لبلده ليرتقي على سواعده واترابه ملغيا بذلك فلسفة التبعية لكل ماهو غربي ومتخطيا سحر العيون الزرقاء إلى الهيام بالعيون السوداء متجاهلا تلك العيون الخضراء التي غمزت بخبث قائلة إنها عيون الراعي المتدثر بعباءة الموهوب.
فشكرا لهذا الوطن المعطاء الذي مكن ابناءه المخلصين من التفوق. وشكرا لأولئك البررة من البر بموطنهم وعدم خذلانه.
عاجل
ابراهيم التوماني

معركة العيون الزرقاء والعيون السوداء ولا عزاء للخضراء
Permanent link to this article: https://www.eshraqlife.net/articles/231556.html