" تسمى علمياً الكثبان النجمية لأن لها اجنحة تجعلها شبيهة بأجنحة النجوم، وسميت شعبياً القعد لأنها تبدو عن بعد على شكل القعدان المنشرة في الفلاة "
يعود إهتمامي بالقعد الى اخر عقد التسعينيات ميلادية من القرن المنصرم عندما استلمت رئاسة مركز تماني، وإن كانت لدي مباديء ثقافة عامة عن الربع الخالي؛ إلاّ أنني كنت بعيداً عن ممارسة الحياة في تلك البيئة المختلفة عن البيئة الجبلية التي ترعرعت فيها في مسقط رأسي محافظة بدر الجنوب الفيحاء، كذلك تختلف عن الطبيعة الجغرافية للمراكز التي عملت بها من قبل كمركز المعاين والعريّسة وبير عسكر، وأخيراً مركز عاكفة .
كانت قيادة السيارة في المراكز الرملية تختلف كلياً عن ممارستها في المناطق الأخرى، كان مايسمى بـ ( العرق الربّاض ) كالعروق الموازية لخط نحران شرورة والواقعة جهة اليمين للمتجة الى شرورة ذات خواص مختلفة عن العروق الأخرى ، يقولون اقوى مافي العرق الربّاض راسة؛ اما بقية العرق رخوة قد تغوص في رمالها إطارات السيارات، ايضا القيادة فيها لها نمط يختلف عن القيادة في جهات أخرى حتى لو كانت ذات طبيعة رملية ايضاً.
كانت القيادة هناك شبه إنتحارية؛ لو يمارسها جديد عهد بالقيادة في تلك العروق لغاص فيها أو تعرّض للإنقلاب . ايضا هناك الكثبان النجمية التي تعتبر حالة خاصة جداً جداً هي الأصعب؛ لايستطيع القيادة فيها إلا المتمرسون فقط الذين يعرفون مجاهل المناطق العميقة من رمال الربع الخالي .
كنت في مهمة رسمية كمندوباً عن الإمارة مع جهات أمنية متعددة، منهم حرس الحدود، والمباحث، والمخدرات ، وقد جرت العادة خلال خدمتي السابقة أن اتولى قيادة سيارتي بنفسي سواءً كان المشوار شخصي أو لأداء مهمة رسمية،
لكن تلك المهمة تمت بعد اسابيع قليلة من استلامي العمل في تماني، لذلك كان يتولى قيادة سيارتي احد منسوبي مركز تماني وهو زميل يدعى / ابو فهد الدوسري، كان ابو فهد - الله يذكره بالخير - يحب الغياب كثيراً ومنطوياً على نفسه، وكنت كمسؤول عن المركز احطه في مؤخرة منسوبي المركز من الناحية العملية؛ اما في مجال المراجل ادخل على الله من ذم الأجاويد، كان ابو فهد في ذلك اليوم هو الخيار الوحيد لإنشغال زملاءه الأخرين في واجبات متعددة، ولغياب البعض منهم في بريكات لعدة أيام وفق خطة خاصة بتوزيع العمل،
وقد ابلى مرافقي الكريم بلاء حسنا في قيادة سيارتي فلولاه - بعد الله سبحانه وتعالى - لتخلفت عن الركب في مهمة تسودها اجواء غير حميمية لعدة إعتبارات لاناقة لي فيها ولا جمل .. اذكر انني قلت لـ ابو فهد بعد نهاية المهمة ونحن في طريق العودة الى مركزنا كلمة من باب الدعابة والميانة، قلت له : اردى حلالك ينفعك، الله نفعنا بوجودك اليوم يابو فهد، فضحك وقال : أنا أردى حلالك يابو محمد فديت خشيمك، قلت متراجعاً عن كلمتي : حاشاك من الردى يابو فهد لكنني كنت اقصد أنك منذ استلامي للعمل كنت مقصّر نوعا ما،لكن هذه المهمة شفعت لك عندي في كل التقصير الذي قد رصدته عنك . ايضاً في الطريق سألته عن أكثر زملاءنا في المركز خبرة ومهارة في قيادة السيارات
فقال : في محيط عملنا اغلب الزملاء مؤهلين للقيادة لكن عندما تكون المهمات جهة ( القعد ) وكان ينطق القاف زينا كلهجة معظم قبائل شبه الجزيرة العربية، نعم قال : في تلك المسالك لايستطيع القيادة الإ المسمرى - يقصد خوينا / محماس المسمرى المري - وبعض الصيعر فقط، قلت ايش القعد يابو فهد ؟ قال : " القعد عندما تنتهي الشقق وتصير الرملة حورني "
هذه المعلومة احتفظت بها في ذاكرتي وبعد سنين طويلة وضفتها في بيت شعر ضمن قصيدة فخمة كتبتها في سمو أمير الكويت الشيخ / صباح الأحمد الجابر حفظه الله ورعاه، قلت في نص البيت المومى إليه اعلاه :
أميرٍ حاسمٍ باسم صباحيٍّ عريب جدود
مع الجو الحورني تقطع الفرجة مظاهيرة
وشرح البيت بإختصار هو :
أن سمو الشيخ صباح - حفظه الله - يقود سياسة الدولة بأمان في احلك الطروف ويعرف مجاهل السياسة. والأن الى البيت ضمن سياقة في القصيدة حيث تجدونه في الأبيات التالية :
سرى الهاجس حقوق وعارضه برق وهزيم رعود
شعورٍ يعجز التعبير عن وصفه وتصويره
عنيت وجيت مثل المركب اللي تقتفيه النود
يقديني هواي ودار اخو مريم لنا ديرة
يشرفني على وضح النقا والطيبين شهود
وقوفي وان ثنيت البيت مامليت تكريره
بحور الشعر كله بالفها المقصور والممدود
توارى في طرف لجاتها وتعيش في حيرة في ارباب القلم والسيف والمجد التليد العود
يذوب الحرف في معناه من عجزه وتقصيره مناعير الصباح اللي معانيهم معاني جود
سجل المجد في صفحاته العليا لهم سيرة
نحب علومهم وديارهم نرجع لها ونعود
محبتهم تدش قلوبنا من دون تاشيرة نقدرهم وهم في منزلة حكامنا ال سعود
ويربطنا مع شعب الكويت اكثر من الجيرة كويت الحاضر المرموق وايضا الماضي المشهود
احييها واحيي شيخها الفذ وطوابيره عميد الدبلماسية سنينٍ قد مضت وعقود
تحلحل كل عقدة مبهمة قدام تفكيره اميرٍ حاسمٍ باسم صباحّيٍ عريب جدود
مع الجوّ الحورني تقطع الفرجة مظاهيرة عليه سمات الاحنف لين تلحق بالظروف السود
والا وصل الفتيل الزند له بسمة وتكشيرة
عبوسٍ قمطرير أن كان راس العود ناشالعود
ابو ناصر بوقت الضيق له وزنه وتاثيره هوانا للكويت وشعبها الغالي بدون حدود
كما انها ذخر الامه من ورا وجدة الى الحيرة ونبقى بالخليج اخوان والله من ورا المقصود
ومشروع التعاون كلنا نسعى لتطويره امانينا وصول المجتمع للمستوى المنشود
وهذا لن يتم الا بتوجيهه وتنويره علينا واجبات وكلنا عند اللزوم جنود
على شان الخليج النابض اللي مالنا غيره
خليج العز ميدان القنا والخيل والماهود
ويسمع في جميع ارجاه تهليلة وتكبيرة
.. بالمناسبة في مساء يوم الجمعة الموافق 16 فبراير عام 2018 بواسطة الأخ العزيز / زياد بن غضيف تحدثت مع الباحث الفاضل / عبدالله العنيزان أحد المهتمين بهذا الجانب ودار حديث عن القعد وأخبرني بمعلومات قيّمة عنه اعتمدت عليها في بداية هذا السرد المتواضع،
وزودني مشكوراً بصورة جوية التقطت للقعد في منطقة عين أم الحيش جنوب شرق الربع الخالي، ووعدني بإرسال نسخة من كتاب " الربع الخالي .. بحر الرمال العظيم " وهو من تأليفه وتأليف الاستاذ / محمد الراشد ، حيث وعدني إن شاء الله بأرسال نسخة من ذلك الكتاب عن طريق ابو طارق الأخ / زياد بن غضيف . هنا وصلنا الى نهاية حديثنا والله الموفق وهو الهاديء الى سواء السبيل .