كنت في لقاء مع مجموعة من المتخصصين في علم الاجتماع والأسرة وعلم الجريمة والمهتمين بالثقافات المختلفة التي تتعلق بالأفراد والشعوب ، وكان النقاش يدور حول الآية الكريمة رقم ( 13 ) في سورة الحجرات التي يقول فيها الله تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) . حيث كان النقاش يدور فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية وما يتمحور حولها من معارف ومعلومات وثقافات وعادات وتقاليد وتشريعات شعبية أو قبلية منذ القدم ، فقال لنا أحد المختصين بعلم الاجتماع بمرتبة أستاذ : أنه يُحكى أنه في أحد القبائل العربية قديما ً حدثت حروب بينهم بداعي المفخرة أو السلطة أو الحصول على المال ، ومن تلك الحروب أن قامت قبيلة بالغزو على قبيلة أخرى والتحم المقاتلون ولمعت الخناجر والسيوف وتناثر رصاص البنادق وظهرت قوة الرجال وبسالة الأبطال وحدث القتل وسفك الدماء بشكل عشوائي لتحقيق النصر وكما يُقال : هذا هو ( سيناريو الحروب ) وعندما انتهى القتال وتم تحقيق الانتصار ( إن صح التعبير أن نسميه إنتصار ) وعادت تلك القبيلة المنتصرة الى ديارها تحمل الغنائم وسيوف رجالها وثيابهم ملطخة بدماء القبيلة الأخرى ، وتوقفت القبيلة المنتصرة ، وترجل قائدها عن حصانه واتجه الى ظل شجرة ، وفرش عبائته التي على كتفه ينوي الصلاة ثم قال : ( يارب فردت عباتي فاقبل صلاتي ) . هنا انتهى الاستاذ الجامعي من سرد القصة . ثم علّق عليها وقال : قتل بلا وجه حق ، وترويع للضعفاء من الرجال والنساء والأطفال ، سفك للدماء ، وتعدي للحقوق .... والهدف مفخرة وشهرة وسمعة وحتى يقال شيخ قبيلة كذا ... وقبيلة كذا ... ثم يفرد عبائته الملطخة بدم الأبرياء ويدعوا الله أن يقبل صلاته وهو لم يراعي حق الله في عباده وفي أولئك البشر الذين خلقهم الله ولم يكن لهم ذنب حينما قُتلوا وسفكت دمائهم ... ثم قال الاستاذ الجامعي : أي قبول وأي صلاة يتحدث عنها ذلك السفاك للدماء.... انتهى كلام الاستاذ الجامعي . ثم علّق أحد الحاضرين وقال :تلك أمة قد خلت .. فهل لا زال يوجد مثلها !!؟ تلك أمم ذهبت بخيرها وشرها ... وقد يكون سبب حروبهم الجوع والفقر وحب التملك والشهرة والسلطة والمنصب ، ولكن الأسلوب الذي كان يُنتهج لم يكن بالشكل الصحيح ...انتهى كلامه .. فقال أستاذ جامعي آخر : الأفضلية بين القبائل والعشائر وضحها الله تعالى في الكرامة الذاتية لكل فرد في القبيلة والكرامة الجماعية في التعامل مع الأخرين ، الأفضلية في القبائل ليست بالقتل والسلب والنهب وإنما بالتزامها بالعادات والتقاليد والأنظمة بلا مخالفة ولا تجاوز ولا تعدي على القبائل الأخرى ... انتهى كلامه ..
تحية لكل قبيلة وعشيرة برجالها ونسائها وشبابها وفتاياتها ، جعلوا التنافس في الأفضلية قائم على العلم والمعرفة والخبرة ، في حب الوطن والذود عنه بالنفس والمال والولد ، في الكرم بلا بذخ والشجاعة بلا تعدي والتميّز في كل مجال بلا إنقاص أو إقصاء أو تحقير أو استهزاء بالأخرين ، في المبادرة والتطوع وخدمة الناس ونفعهم ، في التعاون والتواضع ومساندة الضعيف والمحتاج ، في الحث على التقدم في التعليم والصناعة والتجارة والهندسة والطب ، في الحفاظ على الهوية الوطنية والإرث الثقافي والحضاري ، في المساهمة في البناء والتطوير في كل مجال وفي كل مسار وفي كل طريق ... إن ما تشهده المملكة العربية السعودية بقيادتها الرشيدة وشعبها الوفي من تميّز وتقدم ومنافسة محلية وخليجية وعربية وعالمية هو نتاج رجال ونساء وأبناء وبنات هذا الوطن بلا تخصيص ولا تمييز بين أي قبيلة وأخرى ولنا أن نفتخر أن كل تنافس نراه هو بمثابة نجم لامع في سماء الوطن الغالي بأرضه ومقدساته وحكامه وشعبه ... وإذا سألني أحدهم بعد هذا وقال : ما هي أفضل قبيلة ؟ أقول له : أعد قراءة المقال .
1 comment
ناصر الزهراني
12/20/2019 at 4:59 م[3] Link to this comment
ونعم بكل القبايل