ربَّت أرملةٌ أبناءها في بيتها المستقل، فأنستهم مرارة الحرمان، وأنتجت للمجتمع رجالاً يشار لهم بالبنان، واستقلَّت مطلقةٌ مع أبنائها ببيتٍ؛ فسقتهم الحُبَّ، وأطعمتهم الحنان، بعد أن ذاقت وإياهم كل أنواع الذلِّ والهوان، وسيظلُّ الاستقلال مخرَجًا لكلِّ من تقطعت بها السبل، ونفدت منها الحيل؛ وهي ترضخ تحت وطأة الظلم، والتعنيف، والتعسف، واللا رحمة، في كنف أسرةٍ عصفت بأحد أطرافها، أو بكليهما، رياح الجنون، أو المرض النفسي، أو زال من قائمة تلك الأسرة، واستُبدِل بطرفٍ آخر قادمٍ من بعيد، لا يحمل في جعبته شيئًا من الود، أو الحنان لمن قدِم إليهم؛ فيقيم عليهم حكم الإذلال والاستعباد، وأقصى أمنياته أن لا يرى أحدًا منهم حوله يشاركه المأكل، والمشرب، والمسكن.
ولا شك أن في الاستقلال مخرجٌ لتلك التي زلَّت قدمها، فأخطأت خطأً بسيطًا، أو فادحًا - لم يخرجها من الملة - فقضت فترة عقوبتها في السجن، ثم خرجت لتجد رفض الأقربين قبل رفض المجتمع واقعًا محتَّمًا أمامها، أو تلك التي أمَلَتْ أن تجد في (جُحْر) رعايةٍ ملاذًا، وملجأً من قسوة الحياة، غير أن الجحر كان مليئًا بالعقارب والحيَّات، التي أذاقتها الويل والثبور، وأرتها عظائم الأمور.
كل أولئك وغيرهنَّ سيجدن في الاستقلال مخرجًا؛ لأن شريعتنا سمحة، وديننا سَلِسٌ مَرِن، ولأن الضرورات تبيح المحظورات، ودرء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح. ولأن ولاة أمرنا، وقضاتنا، وعلماءنا، لا يحكمون بغير شرع الله؛ كان الاستقلال مخرجًا لتلك المسكينة يحول دون أن تهيم على وجهها بحثًا عمَّن يحتويها، ويرعاها، فتسقط دون أن تشعر بين يدي عابثٍ آثمٍ، ذهبت أخلاقه وإنسانيته - وما أكثرهم - فيتاجر بإنسانيتها، وأنوثتها، وشرفها.
إذًا فما الجديد في أن تستقلَّ المرأة بالسكن؟!
أبدًا لا جديد، غير بارقة أملٍ لمحت لأبواق التغريب، ودعاة التحرير؛ فخرجوا من العَكَرِ الذي كانوا فيه، يحاولون - عَبَثًا - أن يفسدوا ماءً صافيًا زلالاً، ويوهموا كلَّ فتاةٍ مسلمةٍ، تربَّت على خير قِيَم، وجَرَت في عروقها دماء العروبة الأصيلة، أن الفرصة قد حانت لتخرج من خمار شرفها، وعباءة عفافها؛ لتذهب مذهب نساء الغرب ومراهقاته، وتتفرد بمسكنها المكشوف الذي يمكِّنهم من الوصول إليها بأسرع وقتٍ، وأسهل طريقة، متجاهلين غير منكرين أن المرأة في الغرب - مراهقةً وغير مراهقة - يوم أن غادرت مسكنها الآمن، رزحت تحت سُلْطَةِ الظلم والاستعباد، وأصبحت أمَةً تُقادُ إلى مزادات الجنس، وسلعةً تُباعُ في أسواق تجارة البشر، كرامتها ممسحةٌ للشوارع والأزقة، وجسدها متعةٌ في نوادي العُري، وبعد أن تشبع منها الغرائز، وتأنفها النفوس، ترمى كالقمامة بجوار أقرب حاوية، تفترش الأرصفة، وتقتات المخلفات، وإن بقيَ من كرامتها شيء قادها عدم الرضى عن تلك الحياة إلى الهروب، والخلاص، والانتحار.
وهذا الذي تحاول معاول هدم المجتمع أن توصل فتياتنا إليه، غير أن فتياتنا - ولله الحمد - لم ولن يكنَّ أضحوكة، يستدرجهن معسول الكلام، وتغريهن شعارات الاهتمام المزورة، فالفتاة التي قسمت حياتها شطرين؛ شطرٌ لزوجها وأولادها، والآخر لوالديها، أو تلك التي عزفت عن الزواج لترعى أما أو أبا حال الكبر، ولتقضي معهما آخر أيامهما بِرًّا، ومحبَّةً، ووفاءً لما قدماه لها؛ جديرٌ بها أن لا تهجر بيتًا حواهما لتستقل دونما سبب.
عاجل
يوسف الشيخي

لاجديد
Permanent link to this article: https://www.eshraqlife.net/articles/331244.html