وجّهت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد خطباء المساجد بتخصيص خطبة الجمعة ١٥ /٥ / ١٤٤٤ هـ لتعزيز السلوك الأخلاقي والمحافظة على المال العام بناءً على التعاون البنّاء بين الوزارة ونزاهة حول هذا الموضوع.
مما يؤسف له أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تفاجئنا شهرياً بالعشرات بل المئات من الذين تم القبض عليهم، والتحقيق معهم في قضايا اختلاس وفساد، وتبذير للمال العام والله سبحانه وتعالى حذر من الفساد في كتابه الكريم بقوله:
"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"
الفساد ضياع للحقوق والوجبات ...
الفساد إهمال وخيانة ومحسوبيات ....
الفساد غش وخداع بكل صوره وأشكاله ....
جاء الوعيد الشديد في القرآن الكريم للساعين في الأرض فسادا بأقصى العقوبات وأقوى الروادع:
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"
والفساد أنواع بحسب الظروف والأحوال ما بين الفساد الديني، الأخلاقي، الاجتماعي، الاقتصادي، والسياسي .. ولهذا فالفساد والسلوك اللا أخلاقي أسباب ومسببات، من أهمها:
ضعف الوازع الديني، عدم الخوف من الله تعالى، وضعف الدور التربوي للمؤسسات والكيانات التربوية المتمثلة في (الأسرة، المدرسة، المساجد، وسائل الإعلام) تتحمّل كل جهة مسؤولية إهمالها وعدم قيامها بالواجب، وهذه الجهات تكاملية بنسبٍ مئوية متقاربة.
المتأمل فيما جاءت به الشريعة الإسلامية لتحقيق المصالح، ودفع المفاسد لمقاصد الشريعة الخمسة المتمثلة في:
"حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ العِرض، وحفظ النفس، وحفظ المال"
ولا يمكن حفظ هذه المقاصد وصيانتها إلا بتعزيز السلوك الأخلاقي لأفراد المجتمع.
وكما أن للفساد أنواع وأسباب فله أيضا صورٌ ومظاهر منها:
الرشوة والمحسوبيات، عدم احترام النظام وإساءة استخدام السلطة، الغياب والتسيّب أثناء أوقات الدوام الرسمي، المشاريع والوظائف الوهمية، العبث بمظاريف المناقصات، الإسراف في المال العام، و... و ....
لعل العقلاء والمنصفين يتفقون على أن: الفساد جرثومة تفتك بالمجتمع كالسرطان الذي يفتك بالأجسام.
ربما يسأل سائل عن العلاج الناجع لتعزيز السلوك الأخلاقي لمحاربة الفساد والمحافظة على المال العام، ليس هناك علاج سحري إنما تتم المعالجة بأمور شرعية وقانونية من أهمها:
١ - التشهير بالمجرمين والفاسدين، وإقامة الحدود عملاً بقوله عليه السلام:
(لحد يُقام في الأرض أحبَ من أن يمطروا أربعين صباحا)
وتلك حكمة ربانية فالمجتمعات بحاجة لقوتين متكافئتين لإصلاح ما فسد من أحوالهم:
"سلطان القرآن، وسيف السلطان"
٢ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراتبه الثلاث بالحكمة والموعظة الحسنة.
ولله في خلقه شؤون وحِكم، فكما أنه جل وعلا توعّد الفاسدين بأشد أنواع العقوبات، طمأن الصالحين بما أعد لهم في جنات النعيم "تلك الدار الآخرة التي نجعلها للذين لا يريدون عُلوّاً في الأرض ولا فسادا ، والعاقبة للمتقين"
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
اللهم وفق ولاة أمورنا لكل خير وصواب، وأعنهم على القيام بحفظ مصالح البلاد والعباد.
....
(*) المستشار بلجنة اصلاح ذات البين بإمارة منطقة مكة المكرمة